“غزوان عيون السود” لاجئ سوري في مصر تحدى الصمت بالأمل !

“وطن-خاص- كتب وعد الأحمد”- اللمسة الفنية الساحرة واللباقة الاجتماعية المتناهية والحديث الشائق الجذاب ثلاثة عناصر هي مكونات ضرورية لكل حلاق نسائي ناجح ، والحلاق النسائي
( غزوان عيون السود ) شاب حمصي حُرم من نعمتي النطق والسمع ولكنه لم يعدم باقي العناصر، بل زاد عليها حساً إنسانياً دافئاً واستعداداً فطرياً للعطاء والإيثار وأراد أن يعوض إعاقته بعمل إنساني يخلد اسمه فجعل صالونه في مدينة حمص السورية قبل الحرب معهداً لتعليم الفتيات اللواتي يعانين من إعاقة الصم والبكم مهنة الحلاقة النسائية لتكون لهن أماناً من الدهر في مجتمع لا يزال ينظر للمعوق وكأنه ” لزوم ما لا يلزم .
ولد غزوان محروماً من نعمتي النطق والسمع بسبب زواج الأقارب، وعندما أصبح يافعاً نصحه أهله وأقاربه أن يتعلم مهنة الخياطة وفعلاً جلس عند خياط أربعة أيام ولم تعجبه هذه المهنة، فقرر أن يبقى في البيت دون عمل، وبقي في حالة من الإنطواء والكآبة، حتى اصطحبه عمه الفنان المسرحي ماهر عيون السود إلى صديقه الكوافير الشهير الراحل “محمود القصاب”، وبمجرد أن دخل الصالون أُعجب بأجواء العمل، وعمل لدى صديق عمه سبع سنوات تعلم خلالها-كما يقول-أسرار المهنة: “عانيت في البداية من التفاهم مع الزبونات ولكن مع التجربة والمران أصبحت أفهم ماذا تريد الزبونة إذا حركت يدها أو شفتيها”.
وبعد اتقانه لهذه المهنة التي أحبها من كل قلبه افتتح الشاب الأصم الابكم صالوناً خاصاً به عام 1979 ولم يكن عمره قد تجاوز السادسة عشر، وروت زوجته “رباب صفوة” لـ”وطن” بلغة الإشارة على لسان زوجها أنه لقي كل رعاية واهتمام مادي ومعنوي من والده رحمه الله نوعانى في السنوات الأولى من قلة العمل لأن بعض الزبونات-كما قال- كن يخشين الحضور إلى الصالون وتسليم رؤوسهن لحلاق أصم أبكم فوضع فتيات سليمات يعملن بإشرافه ويَكنَّ صلة تفاهم بينه وبين الزبونات” ويضيف غزوان بحسب ترجمة زوجته: “من خلال ترددي على جمعية الصم والبكم في دمشق بحكم عضويتي فيها عايشت الكثير من القصص والحكايات المحزنة عن معاناة هؤلاء المعاقين المصابين بعاهتي الصمم والبكم وبخاصة الفتيات اللواتي تزداد معاناتهن لأن كل الطرق مسدودة أمامهن فلا عمل ولا مستقبل ولا زواج” .
هذه المعاناة دعت غزوان للتفكير في إتاحة الفرصة لبعض الفتيات الصم والبكم لتعلم مهنة الحلاقة النسائية بعد لجوئه إلى مصر، وهناك بدأت بعض الفتيات اللاجئات ممن أصبن بالصمم والبكم بالإنضمام إلى صالونه وخلال فترة قصيرة نسبياً تخرج حوالي ثلاثين فتاة منهم افتتحت كل واحدة منهن صالوناً خاصاً بها.
وحول طريقته في تدريب فتياته ووسيلة تفاهمه تدخلت زوجة غزوان عيون السود لتشرح قائلة:”لدى المعوقين عموماً نباهة خاصة وذكاء فطرياً وقدرة على الاستيعاب فإذا أراد المعوق منهم أن يتعلم شيئاً سيتعلمه مهما كان صعباً ومعقداً” وتضيف:”عندما دخلت الفتيات المعوقات للتعلم كنت أشعر أنهن لن يتعلمن شيئاً وفوجئت بتعلمهن أسرار المهنة بمجرد وقوفهن إلى جانب زوجي ومراقبة كيفية عمله وكن يسألنه عن بعض الأمور الدقيقة وخاصة ما يتعلق بالمواد الكيميائية التي تدخل في مواد التزيين ودهون الشعر وهي صعبة التركيب وليس من السهل تحضيرها”.
واستدركت زوجة غزوان لتؤكد أنه “تمكن بموهبته وصبره من تسهيل كل الأمور الصعبة، والموائمة بين عمله في الصالون الذي هو مصدر رزق له وبين تعليم الفتيات، سواء كن يعانين من الصمم والبكم أو كن سليمات” والكثير من الفتيات اللواتي تعلمن في صالون غزوان-كما تؤكد- أتقن سر الصنعة واستطعن افتتاح صالونات خاصة وتكوين أسر والحمد لله وهذا الأمر يشعرنا بالطمأنينة والسرور علماً أن تعليم الفتيات الصم والبكم مجاناً أما الأصحاء فيتقاضى منهن أجوراً.